sasa_star
عدد الرسائل : 144
| موضوع: تأمل فى سفر يونان لقداسة البابا شنودة الثلاثاء فبراير 17, 2009 10:08 am | |
| شبمناسبة صيام اهل نينوى
اللى لسة معدى من فترة بسيطة
حبيت اجبلكوا موضوع جميل جدا
ارجوا انة ينال رضاكوا
+++ تاملات عن سفر يونان للبابا شنوده +++
يقول قداسة البابا شنودة الثالث : إنها من أعظم الصلوات التى قرأتها فى حياتى .. ليته كان قد قدمها ، أو قدم صلاة من نوعها قبل أن يفكر فى الهروب من الرب .. حقا أن الضيقات هى مدرسة للصلاة ...
لقد تأثرت كثيرا بقوله " دعوت من ضيقى الرب فاستجابنى " . وقلت فى نفسى : ما هذا يا يونان ؟ كيف استجابك وأنت ما تزال فى جوف الحوت ؟! أما كان الأجدر أن تقول " دعوت يارب فى ضيقى فاستجبنى " فتطلب هذه الأستجابة لا أن تعلنها ؟! .
لكن يونان يرى بعين الإيمان ما سوف يعطيه له الرب . يراه كأنه قائم أمامه ، وليس كأنه سيأخذه فيما بعد ، فيفرح قائلا " دعوت ... فأستجابنى " .
ويستمر يونان فى صلاته العجيبة ، فيقول للرب " صرخت من جوف الهاوية ، فسمعت صوتى .. جازت فوقى جميع تياراتك ولججك . ولكننى أعود أنظر إلى هيكل قدسك " ... بهذا الإيمان رأى يونان نفسه خارج الحوت ، ينظر إلى هيكل الرب ...
وبهذا الإيمان استطاع أن يحول صلاته من طلب إلى شكر ، وهو ما يزال بعد فى جوف الحوت العظيم .. فختم صلاته بقوله " أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك ، وأوفى بما نذرته . للرب الخلاص " ( 2 : 9 ) .
كيف تأكدت أيها النبى القديس من أن الرب قد سمع صوتك ، وقد استجابك ، وقد سمح أن تخرج من بطن الحوت ، وتعود مرة أخرى تنظر إلى هيكله ؟؟ أين منك هذا الهيكل وهو بعيد فى أورشليم ، بينما أنت فى جوف الحوت ، فى مكان ما من البحرلا تستطيع تحديده ؟! ولكن النبى يجيب :
أنا واثق تماما أننى سأخرج من بطن الحوت ، وأكمل رسالتى ، لأن كلمة الله لا تسقط ولا ترجع فارغة .
عجيب جدا هذا الرجل فى إيمانه ، إنه حقا رجل الإيمان العميق الذى اختاره الرب ... لا ننكر أن ضبابا قد اكتنفه فأخطأ إلى الله ، ولكن عنصره ما يزال طيبا .
إنه يرى المستقبل الملىء بالرجاء قائما كأنه الحاضر ، ويشكر الرب على خلاص لم ينله بعد من جهة الزمن ، ولكنه قد ناله فعلا من جهة الكشف الخاص بموهبة النبوة ، الخاص بالرجل المفتوح العينين ، الذى يرى رؤى الرب كأنها فى كتاب مفتوح ، ويتمتع بمواعيده قبل أن تأتى ...
وإذ وصل ايمان يونان إلى هذا الحد العجيب ، أمر الرب الحوت فقذفه إلى البر ..
كان سير هذا الحوت بإحكام عظيم ، وفق خطة إلهية مدبرة تدعو إلى الأطمئنان ، ظهر فى الوقت المناسب ، وفى المكان المناسب ، لكى يحمل يونان فى داخله كما لو كان هذا النبى ينتقل من سفينة مكشوفة يمكن للأمواج أن تغطيها وتغرقها ، إلى سفينة مغلقة محصنة لا تقوى عليها المياة ولا الأمواج . وفى الوقت المناسب قذف يونان إلى البر فى المكان الذى حدده الرب لنزوله . ثم جاز مقابله بعد أن أدى واجبه نحوه على أكمل وجه ...
هنيئا لك يا يونان هذه الغواصة البديعة ، التى عشت فى أحضانها فترة ، أعادتك إلى طقسك وإلى رسالتك ...
نقلب هذه الصفحة من قصة يونان ، كأنها لم تحدث ، وكأن هذين الإصحاحين الأولين من السفر قد نسيهما الرب ، فعاد يقول ليونان مرة أخرى " قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ، وناد عليها المناداه التى أنا مكلمك بها ... "
نينوى المدينة العظيمة
يونان يذهب إلى نينوى ، ولكن ... أصدر الله ليونان نفس الأمر القديم " قم اذهب إلى نينوى ... " ، وفى هذه المرة لم يهرب من وجه الرب ، بل " قام وذهب إلى نينوى حسب أمر الرب " .
وتم الأمر فى هدوء : الله لم يعاتب ، ويونان لم يعارض .. ولعل هذا الأمر يحتاج منا إلى وقفة تأمل ...
الله لم يغضب من موقف يونان ، بحيث يحرمه من الخدمة ، أو يسقطه من درجة النبوة إلى درجة المؤمن العادى ، أو يبحث عن غيره ليرسله ...
أما يونان فكان قد تلقى درسا ، فأطاع ... ولكن أتراها كانت طاعة عن اقتناع ورضى أم هى مجرد خضوع ؟
هوذا أنت ذاهب يا يونان إلى نينوى .. فماذا عن العوائق السابقة التى كانت تمنعك فى المرة الأولى ؟ ماذا عن كرامتك ؟ وماذا عن كلمتك التى ستقولها ثم لا ينفذها الرب ، إذ تتوب المدينة ويرجع الرب عن تهديده لها ؟ هل فكرت فى كل ذلك ، وهل مات الوحش الذى فى أحشائك ، وحش الكرامة والأعتزاز بالكلمة ؟
فى هذه المرة كان يونان سيطيع ، وكفى . كان سيطيع من الخارج ، أما من الداخل فما تزال كرامته لها أهمية عنده . سيضغط على نفسه من أجل الطاعة . وسينتظر ماذا سيفعل الرب .
فى هذه المرة تقابل مع الله فى منتصف الطريق
كانت محبة الكرامة ما تزال تتعبه ، ولكنه أطاع خوفا من التأديب ، وليس عن إيمان وتواضع .
نينوى المدينة العظيمة
عجيب هذا اللقب " المدينة العظيمة " الذى أطلقه الرب على نينوى !! قاله الرب مرتين ليونان " قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة " ( 1 : 2 ، 3 : 2 ) . وهذا التعبير " المدينة العظيمة " كرره الوحى للمرة الثالثة بقولـه " وأما نينوى فكانت مدينة عظيمة للرب مسيرة ثلاثة أيام " ( 3 : 3 ) . وتكرر هذا اللقب للمرة الرابعة فى آخر السفر .. ( 4 : 11 ) .
ما أعجب هذا ، أن يلقبها الرب أربع مرات بالمدينة العظيمة ، بينما كانت مدينة أممية ، جاهلة لا يعرف أهلها يمينهم من شمالهم ، تستحق أن ينادى عليها النبى بالهلاك ، وهى خاطئة قد صعد شرها أمام الرب . وليس فيها من جهة المقياس الروحى أى مظهر من مظاهر العظمة !!
أكان هذا تنازلا من الرب فىاستخدام الأسلوب البشرى ، فسماها عظيمة ، على اعتبار أنها عاصمة لدولة ، وتضم أكثر من 120 ألفا من السكان ؟
أم أن الله رآها باعتبار ما سوف تصير إليه فى توبتها وفى عظمتها المقبلة ، كأممية توبخ اليهود ، كما قال عنها الرب " إن رجال نينوى سيقومون فى يوم الدين مع هذا الجيل ويدينونه ، لأنهم تابوا بمناداة يونان . وهوذا أعظم من يونان ههنا " ( متى 12 : 41 )
إن تسمية الرب لنينوى بالمدينة العظيمة درس نافع للذين يسلكون بالحرف ، ويدققون فى استخدام الألفاظ تدقيقا يعقدون به كل الأمور ، ويخضعون به الروح لفقه الكلمات !!
أمر الله يونان النبى أن ينادى على نينوى بالهلاك ، ولكنه كان فى نفس الوقت يدبر لأهلها الخلاص .. كان يحبهم ويعمل على إنقاذهم دون أن يطلبوا منه هذا ..
إن سفر يونان يعطينا فكرة عميقة عن كراهية الله للخطية ، ولكنه فى نفس الوقت يشفق على الخطاة ويسعى لخلاصهم .
وانقاذ الله لنينوى يعطينا فكرة عن اهتمام الله بالأمم ، إذ كان اليهود يظنون أن الله لهم وحدهم ، وأنهم وحدهم الذين يتبعونه ويعبدونه ، وهم شعبه وغنم رعيته ، فأراهم الله فى قصة نينوى أن له خرافا أخر ليست من تلك الحظيرة .
عظمة نينوى فى توبتها
عندما وصف الله نينوى بأنها مدينة عظيمة ، لم يكن ينظر إلى جهلها وخطيئتها ، إنما كان ينظر فى فرح شديد إلى عمق توبتها .
+ كانت نينوى سريعة فى إستجابتها لكلمة الرب ...
بعكس أهل سدوم الذين استهزأوا بلوط عندما دعاهم للتوبة ( تك 19 : 14 ) .
إنهم أعظم بكثير من اليهود الذين عاصروا السيد المسيح – الذى هو أعظم من يونان بما لا يقاس – ورأوا معجزاته العديدة ...
+ كانت كلمة الرب لأهل نينوى كلمة مثمرة ، أتت بثمر كثير عجيب :
أول ثمرة لها هى الإيمان " فآمن أهل نينوى بالله "
وثانى ثمرة لأهل نينوى كانت انسحاق القلب الصادق المتذلل أمام الله ..
ونظر الله إلى هذه المدينة المتضعة ، وتنسم منها رائحة الرضى . " فالذبيحة لله هى روح منسحق . القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله " ( مز 50 ) .
وكان من ثمار كلمة الله فيها أيضا : الصوم والصلاة ...
على أن أهم ثمرة لأهل نينوى كانت هى التوبة .. التوبة قادتهم إلى الإيمان !
وبهذه التوبة استحقوا رحمة الله ، فعفا عنهم جميعا وسامحهم ، وقبلهم إليه وضمهم إلى خاصته .
لم يقل الكتاب : " لما رأى الرب صومهم وصلاتهم وتذللهم " بل قال : " لما رأى أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة " .
يتساءل قداسة البابا شنودة :
+ " أود أن اقف قليلا عند عبارة هامة قيلت فى توبة نينوى وهى أنها :
" تابت بمناداة يونان " . فماذا كانت مناداة يونان ؟
هل حقا أن يونان لم يقل سوى هذه العبارة وحدها ( بعد أربعين يوما تنقلب نينوى ) ؟ وهل كانت كافية لخلاص المدينة وإحداث هذا التأثير الهائل ؟
أميل إلى الأعتقاد أن توبة نينوى كان مرجعها الأساسى هو الأستعداد القلبى عند أهل نينوى .
ومما يزيد هذه التوبة قوة وجمالا ، أنها كانت توبة عامة ... الكل تابوا . الكل رجعوا إلى الله . الكل آمنوا به
وهكذا نجح الهدف الثانى من خطة الله ، فخلص أهل نينوى ، كما خلص أهل السفينة من قبل .
| |
|