سلام المسيح مع جميعكم
رسالة بولس الرسول الاولى الى اهل كورنثوس
مقدمة في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس
كورنثوس Corinth
مدينة يونانية متميزة، تبعد حوالي 40 ميلاً غرب أثينا، يرجع تاريخها إلى سنة 1000 قيل الميلاد حيث استقرت فيها القبائل القديمة. اشتهرت مدينة كورنثوس القديمة في العالم الهيليني، فقد دعاها هومر "كورنثوس الثرية"، وقال عنها شيشرون: "نور كل اليونان". عرفت بغناها وعظمتها بكونها مدينة صناعية ضخمة، خاصة في بناء السفن حوالي عام 800 ق.م. يقولThucydides أن أول السفن الحربية بنيت في كورنثوس عام 664 ق.م.
تضم كورنثوس ميناءين هما كنخريا Cenchreae وليخيوم Lechaeum إذ تقع عبر مضيق بري بين بحرين هما اٌلإيجي Aegean والأدرياتيكي. ومما يزيد من أهميتها أنها تقع على طريق البري الذي يربط الشرق والغرب؛ فربطت روما عاصمة العالم الرومانى بالشرق.
هذا وقد اشتهرت كورنثوس كمركز للفنون المختلفة، خاصة الفن المعماري. وقد ترك الفينيقيون Phoenicians الذين استقروا في هذه المدينة منذ وقتٍ مبكرٍ جدا بصماتهم من فنون صناعية مثل الصباغة والنسيج، كما تركوا بصماتهم الدينية وأساطيرهم. وكان نحاس كورنثوس وفخارها مضرب الأمثال.
كانت كورنثوس مدينة مفتوحة على العالم، ليس فقط كأعظم مدينة تجارية يونانية، وإنما أيضا لإقامة الدورات الرياضية في اسثيموس Isthmes مرة كل عامين، وكانت تأتي في الدور التالي بعد الأولمبيات إن لم تنافسها.
هدمتها الجيوش الرومانية بقيادة Mummius سنة 146 ق.م. وقتلت رجالها وسبت نساءها وأطفالها. واستعادت كورنثوس مجدها وغناها سريعا. أعاد بناءها يوليوس قيصر Julius Caesar عام 46 ق.م. وجعلها مقاطعة رومانية، وفي سنة 27 ق.م. عندما انعزلت اليونان عن مكدونية صارت كورنثوس عاصمة إقليم أخائية وموطن الحاكم الروماني. ولم تكن هذه المقاطعة تحت إشراف الإمبراطور بل تحت حكم مجلس الشيوخ الروماني. استمر ازدهارها حتى استولى عليها الأتراك عام 1458.
كمدينة مفتوحة ضمت كورنثوس ديانات كثيرة، فقد جاء إليها مجموعات من اليهود الذين طردهم كلوديوس قيصر من روما مثل أكيلا وبريسكلا (أع18: 2)، كما جاء إليها يهود من فلسطين للتجارة،أو اشتراهمِ سكانها عبيدا. ووُجد في المدينة آلهة مصرية ورومانية وآلهة من الشرق الأقصى. هذا بجانب معبد أفروديت إلهة الجمال والحب الذي أقيم على قمة أكمتها. صارت مضرب الأمثال في الخلاعة، فقد تكرس للمعبد حوالي 1000 كاهنة وثنية (مومسات) للفساد لحساب المعبد. وصار في اللغة اليونانية ( الـ Koine) "كورنثاسين" تعني "عش كورنثوسيا" أو عش فاسدًا". وصار تعبير "فتاة كورنثوسية" في ذلك العصر يعني "فتاة داعراة"، وأيضا "أن تحيا كورنثوسيًا To live Corinthian " أو "تتكرنث" تعني أن تغط في الفساد. وترجع عبادة أفروديت إلى أصل فينيقي Phoenician.
مدينة كورنثوس التي عرفها بولس الرسول تحطمت جزئيًا عام 521م بزلزال، وتدمرت تماما بزلزال آخر عام 1858م، وأٌعيد بناء مدينة كورنثوس الحديثة على بعد حوالي 4 كيلومترات من موقع كورنثوس القديمة.
نشأة الكنيسة المسيحية في كورنثوس :
أسسها القديس بولـس في رحلته التبشيرية الثانية (أع 18)، ومع ما اتسمت به المدينة من فساد نجحت خدمته هناك نجاحا بالغًا، وبقى هناك 18 شهرا، من سنة 51م إلى أواخر 52م، وهى أكبر مدة قضاها الرسول في مدينةٍ ما للخدمة بعد أفسس.
بدأ خدمته في المجتمع اليهودي يكرز لليهود والأمم الدخلاء، وكان يقيم مع أكيلا وبريسكلا ويعمل معهما في صناعة الخيام (أع 18: 3-10)؛ ونجح في اجتذاب كريسُبس Crispus رئيس المجمع وأهل بيته (أع 18: 8). لكن اليهود قاوموه بشدة، فقال لهم: "دمكم على رؤوسكم؛ أنا برئ، من الآن أذهب إلى الأمم" (أع 18: 4-6). وذهب إلى يوستس حيث تكونت كنيسة تضم الكثيرين.
في البداية يبدوا أن الرسول وجد جواً رهيباً من الفساد والصراعات بين سكان المدينة القادمين من دول مختلفة لأهداف تجارية مع انحطاط في الأخلاق، فأراد أن يرجع إلى تسالونيكي (1تس 17:2-18). لكن خطته تغيرت تماماً بإعلان إلهي (أع 9:18-10)، فقد أمره الرب أن يتكلم بجسارة ويشهد له.
كان لكورنثوس أهمية خاصة عند الرسول بكونها أعظم مدن اليونانية، وكان نجاح الكرازة بها رمزًا لنجاح الخدمة بين الأمم، خاصة بين الذين لهم فكر فلسفي ويتباهون ببراعتهم الثقافية ويرددون شعارات مثل المعرفة والحرية، وكانوا يمارسون الحياة الوثنية الفاسدة. نجاحها يعلن عن عمل نعمة الله الغنية في تقديس الفاسدين الذين يرتمون في حضن الله.
يبدو أن الكنيسة هناك كسبت عددًا كبيرًا من الطبقات الدنيا خاصة العبيد (7: 21؛ 26:1)، وإن كان قد وُجد من بينهم أيضًا شرفاء مثل تيطس يسطس (11: 21-32). وقد ضمت المدينة 200000 إنسانا حرًا، 400000 عبدًا.
نجح بولس الرسول في كسب نفوس كثيرة من بين التجار والبحّارة والمصارعين المحترفين في الدورات الرياضية ومحترفي القمار والمكرسين للفساد من الجنسين والعبيد. هؤلاء جاءوا قادمين من روما واليونان ومصر وآسيا الصغرى. مع اختلاف جنسياتهم وثقافتهم وإمكانياتهم المالية وخلفيتهم الدينية، كانوا مطالبين بالخضوع لروح الله الذي يقدسهم ويهبهم روح الوحدة والانسجام ككنيسة مقدسة للرب يسوع.
بعد أن ترك الرسول المدينة زارها أبلوُس؛ وكان يهوديا إسكندريًا ذا ثقافة هيلينية عالية، قَبِلَ الإيمان بالمسيحية وصار يكرز بها. وكانت خدمته ناجحة في كورنثوس (3: 5-9)، غير أن البعض أساء استخدام اسمه. فقد ظهرت خصومات في الكنيسة حيث ادعى البعض أنهم أتباع الرسول بولس أول كارز للمدينة. والفريق الثاني أتباع أبلوُس من أجل اقتدار حكمته. وثالث حسب نفسه أتباع بطرس الرسول ربما لأنهم اعتمدوا في فلسطين على يديه ولظنهم أنه أمين في حفظ الشريعة اليهودية حرفيا. ورابع حسبوا أنفسهم تبع المسيح، غالبًا رغبة في التحرر من كل التزام، ليسلك كل واحد حسب هواه بحجة أنهم لا ينتسبون إلى قيادات بشرية، هؤلاء أساءوا فهم الحرية المسيحية.
يرى كثير من الدارسين أن الرسول بولس قد زار كورنثوس على الأقل ثلاث مرات